يشهد العالم تحولات اقتصادية عميقة و سريعة ، فاقتصاد السوق و العولمة إلى جانب الانضمام الوشيك للجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة يفرضون على الاقتصاد الوطني تحديات كبيرة للتأقلم مع هذه المستجدات ، و ذلك بالتخلي عن الأساليب القديمة لتسيير الاقتصاد الوطني و البحث عن الوسائل الكفيلة لمواجهة ذلك بأساليب عصرية تنصب على دعم الاصلاحات الاقتصادية ، و تأهيل الاقتصاد الوطني الشيء الذي يمكن من التخفيف من حدة الأزمات المتتالية التي شهدها و يشهدها الاقتصاد الوطني و تمكنه من تعظيم مكاسب الانضمام و تعلية عوائد التكامل الحقيقي و الشراكة المتوازنة بما يقضي الاندماج الفعال في الحركية الدولية الاقتصادية .
سنتناول في هذا البحث العناصر التالية :
أولا : الوضع الاقتصادي الاجتماعي قبل 1988
ثانيا : الوضع الاقتصادي الاجتماعي بعد 1988 إلى وقتنا الحاضر
ثالثا : كيفية تأهيل الاقتصاد الوطني للاندماج في الاقتصاد الدولي في ظل المستجدات الأخيرة
أولا : الوضع الاقتصادي الاجتماعي قبل 1988 :
ارتأينا أنه من البديهي قبل التطرق إلى كيفية تأهيل الاقتصاد الوطني للاندماج في الاقتصاد الدولي في ظل المستجدات الأخيرة اعطاء نظرة وجيزة للوضع الاقتصادي و الاجتماعي قبل 1988 ، لأن التطرق إلى ذلك يمكننا من فهم طبيعة و مسببات الاجراءات التي اتبعت بعد 1988 و ذلك وفق المراحل التالية :
1- الوضع الاقتصادي و الاجتماعي غداة الاستقلال :
نتج عن الاستعمار مباشرة اربع خاصيات للاقتصاد الجزائري :
أ- تخلف لم يحل : نتج عن هذا التخلف تشابك المعطيات التالية :
ثقل وزن الزراعة في الاقتصاد الجزائري و ضعف التصنيع ، البطالة و التشغيل الناقص ، انخفاض الدخل الفردي ، ضيق و ضعف انتشار التكنيك الحديث . لهذا تتطلب عملية التنمية الاقتصادية الاستعمال السريع و الأقصى للتكنيك الحديث ، الذي يستدعي شراء أموال التجهيز الصناعي و مستوى كافيا من التعليم .
ب- ثنائية اقتصادية : التي تعتبر أبرز نتيجة هيكلية عرفها الاقتصاد الجزائري من جراء ادخال علاقات انتاج رأسمالية . تظهر هذه الثنائية بتعايش نظامين اقتصاديين أحدهما متطور و الأخر متخلف (تقليدي) ، بدون علاقة بينهما لهما مظاهر ثلاثة : فهي موجودة في القطاعات مجتمعة بين الزراعة و الصناعة ، و في القطاع الواحد ، و التي تظهر أكثر في الزراعة حيث يوجد قطاع حديث (أخصب الأراضي و استعمال التكنيك الحديث) و قطاع متخلف (تقليدي) يساهم بنسبة ضعيفة في الدخل الوطني ، ثم تظهر هذه الثنائية اقليميا ، حيث توجد مناطق اقتصادية نامية على الساحل تشكل جيوبا حقيقية لاتناسب بينها على الاطلاق و بين باقي التراب المتخلف.
ت- اقتصاد مسيطر عليه : حيث تظهر التبعية الاقتصادية في أشكال مختلفة : تبعية تجارية و تكنيكية و مالية و بشرية .
ث- اقتصاد ضعيف : و هو نتيجة للتبعية الاقتصادية ، و الذي يتمثل في ضعف هيكل المبادلات الخارجية ، و في العلاقات المالية ، ميراث إدارة ثقيلة غير ملائمة .
أما بالنسبة للوضع الاجتماعي ، عرفت تلك الفترة بالبطالة الشاملة ، التخريب الشامل خاصة للتجهيزات الاقتصادية و الاجتماعية ، عدم وجود الاطارات ، الفقر ، انتشار الجهل و الأمية انتشار الأمراض المعدية و الأوبئة .
كل هذه العوامل المذكورة أعلاه ، أثرت سلبا على الانتاج و التسيير و التنظيم ، و انعاش الاقتصاد الجزائري من جديد ، الذي أصبح تقريبا مشلولا .
2 – المرحلة 1966/1978 : مع الاستقلال السياسي بدأ يتعمق الفكر الاقتصادي الوطني الذي ظهر مع الحرب التحريرية مرتكز حول مشاكل التخلف و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ، و الذي جاء في كل من ميثاق طرابلس عام 1962 ثم ميثاق الجزائر عام 1964 .
يتعمق هذا التفكير أكثر فأكثر ليؤدي بدء من سنة 1966 إلى ميلاد نمودج جزائري للتنمية ، الذي يعتمد على المخططات المتتالية و المتجسد في سياسة استثمارية متناسقة ، كان هدف السلطة الجديدة هو إعادة استرجاع سلطة الدولة ، ووضع جهاز إداري فعال ، اعطى النمودج الاقتصادي المتبع دور مركزي لأجهزة الدولة في تحقيق عملية التنمية ، و طرح ضرورة تطوير قطاع صناعي عمومي قوي ، حيث اعتبرت الصناعة الوسيلة الوحيدة التي تضمن اقتصاد مستقل و متكامل . (2)
إذا من خلال خطابات الرئيس بومدين ، و مختلف المواثيق (الميثاق الوطني ، ميثاق الثورة الزراعية ... إلخ) تم توضيح و شرح و تبرير السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للمرحلة 1966 إلى 1978 . (3)