الفصل الثاني
المبحث الأول : اتفاقية برشلونة :
ظروف انعقاد الندوة: لم تكن فكرة إنشاء الشراكة الاورومتوسطية وليدة العدم فقد توفر من الظروف الدولية و الإقليمية ما كان كافيا لتبلورها.
فمن الظروف الدولية نذكر:
1- انهيار المعسكر الشيوعي و زوال الثنائية القطبية في بداية التسعينيات.
2- أزمة الخليج و ما نتج عنها من تراجع فرنسا بريطانيا و ايطاليا و تزعم أمريكا لإدارة الشؤون الدولية .
3- الغزو الاقتصادي الأمريكي و سيطرته على الاقتصاد العالمي الأمر الذي زاد من مخاوف الأوروبيين و جعلهم يتجهون نحو الضفة الجنوبية للمتوسط من اجل استرجاع مكانة أوروبا السياسية و الاقتصادية بهدف ضمان مكانة في النظام الدولي الجديد.
أما الظروف الإقليمية فتتمثل:
1- انهيار جدار بارلين 1989 و ظهور ألمانيا كدولة أوروبية قوية
2- التوقيع على معاهدة ماستريخت في 07/02/1992 و ظهور الاتحاد الأوروبي الذي حل محل السوق الأوروبية المشتركة.
3- ظهور بوادر الهجرة الشرعية و غير الشرعية إلى الضفة الشمالية نتيجة للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الأمنية التي تعيشها الضفة الجنوبية .
4- سير دول الضفة الجنوبية من الاشتراكية المركزية إلى اقتصاد السوق.
مؤتمر بارشلونة:يمثل مشروع الشراكة الاورو متوسطية في ذلك الاجتماع الوزاري المنعقد يومي 27-28 نوفمبر 1995 في برشلونة تحت رئاسة وزير خارجية اسبانيا (خافير سولانا)ووافقت الأطراف المشاركة في المؤتمر مبدئيا على إقامة شراكة بين الاتحاد الأوروبي من جهة و البلدان المتوسطية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا من جهة ثانية و ذلك في ثلاث مجالات أساسية تتمثل في :
البعد السياسي و الأمني.
البعد الاقتصادي و المالي.
البعد الاجتماعي و الثقافي.
لقد غابت كل من أمريكا و روسيا عن هذا المؤتمر بسبب معارضة ألمانيا و فرنسا رغبة في حصر المشروع داخل اطار أوروبي متوسطي لا غير .
و يهدف البعد الأول إلى إرساء منطقة مشتركة للسلم و الاستقرار من خلال الوسائل التالية:
1- العمل وفقا لميثاق الأمم المتحدة و البيان الدولي لحقوق الإنسان كذلك للواجبات الأخرى الناتجة عن القانون الدولي .
2- تنمية دولة القانون و الديمقراطية بحيث كل عضو له الحرية الكاملة في اختيار و تنمي جهازه السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، و القضائي.
3- احترام حقق الإنسان و الحريات الإنسانية بما فيها حريات الرأي و التجمع و حرية التفكر و المعتقد دون أي تمييز بسبب العنصر و الجنسية و اللغة و الدين.
4-إحترام حدود وحدة كل الشركاء بالتخلي عن التهديد و استخدام القوة ضد وحدة الأراضي و الاستقلال السياسي لشريك أخر و عن كل أسلوب لا يتوافق مع أهداف الأمم المتحدة.
5- التعاون من احل الوقاية ضد الإرهاب باتخاذ تدابير ملائمة لذلك .
6-العمل على مكافحة انتشار الجريمة المنظمة و محاربة المخدرات بكل أشكالها.
7-اتفاق المشاركين و عملهم على الحد من استعمال الأسلحة الكيماوية و البيولوجية و النووية بتعهد من المشتركين من خلال انضمامهم إلى معاهدة الحد من التسلح النووي.
8- دعم العمليات التي تهدف إلى الاستقرار و الأمن و الازدهار و التعاون على المستوى التعليمي و التحدي الإقليمي .
9- دراسة وسائل الاستقرار في منطقة البحر المتوسط.
10- تجنب امتلاك قدرات عسكرية تتجاوز الحاجيات المشروعة للدفاع و محاولة تجسيد الثقة المتبادلة بين الأطراف.
أما البعد الثاني فيهدف إلى الإقامة التدريجية لمنطقة تجارة حرة بالسلع المصنعة ( أي منتوجات الصناعة التحويلية) بين الاتحاد الأوروبي من جهة و بلدان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا من جهة أخرى بحيث تكون متكاملة بحلول عام 2010.
و تتضمن إقامة منطقة تجارة الحرة الإزالة التدريجية و بحسب الجدول الزمني المتفق عليه للرسوم الجمركية و الرسوم الداخلية ذات الأثر المماثل و القيود الإدارية و الكمية و النقدية على التجارة بهاته السلع بين الطرفين . كذلك دعم الاقتصاد الحر و تطويره بالإضافة إلى تصحيح البنى الاقتصادية و الاجتماعية لتنظيمها و تحديدها.
أما البعد الثالث: فيهدف إلى المشاركة في المجالات الاجتماعية و الثقافية و الإنسانية لتشجيع التبادلات بين المجتمعات المدنية حيث يتعرف المشاركون على تقاليد و ثقافات و حضارات غيرهم و كذا ضرورة التعاون من اجل الحد من الهجرة غير الشرعية و كذلك محاربة التمييز العنصري و بهذا يتضح لنا عبر هذا المشروع انه جاء كاداة لتدعيم و توفير العلاقات و المبادلات التي ترمي إلى إحلال السلم و الأمن في منطقة المتوسط.
المبحث الثاني:الجانب الاقتصادي و المالي في الشراكة الاورو متوسطية.
لو تكلمنا بلغة الأرقام لكان لزاما علينا أن نقر بما يلي:
1- متوسط دخل الفرد الأوروبي الشمالي يفوق متوسط دخل الفرد الجنوبي ب 12 مرة في الثمانينات و تشير الدراسة إلى امكانية وصول الفرق إلى 20 مرة بحلول 2010.
2- الناتج المحلي الإجمالي لدول الضفة الشمالية( 6744 بليون) يفوق الناتج المحلي الإجمالي لدول الجنوب ب 50 مرة سنة 1996. و مرشح إلى أن يصل إلى 80 مرة بحلول 2010.
أولا : إنشاء منطقة للتجارة الحرة و ذلك بحلول سنة 2010 تجسيدا لمقتدى اتفاقية الشراكة مع الدول المتوسطة، علما ان تحرير التجارة يتم بالتدرج .
ثانيا: التعاون الاقتصادي و ذلك من خلال تحقيق تنمية اقتصادية متواصلة و متوازية و استمرار الحوار بين الطرفين لحل مشكل المديونية.
ثالثا: التعاون المالي:تجسد التعاون المالي في برنامج ميداmeda المالي.
برنامج ميدا 1-خصص لتمويل أربع أنواع من العمليات هي :
1- تصحيح الهيكلي لاقتصاديات الدول المتوسطة بنسبة 14% .
2- التحويل الاقتصادي و تطوير الاقتصاد الخاص بنسبة 27%.
3- التنمية الريفية و قطاع الصحة و التعليم بنسبة 45%.
4- المشاريع الاقتصادية بنسبة 14%.
و يعتبر برنامج ميدا الوسيلة المالية الأساسية للاتحاد الأوروبي للقيام بالشراكة الاورو متوسطية ففي مرحلة (1995-1999) بلغت قيمته 3435 مليون اورو من إجمالي 4685 مليون اورو من مواريد الميزانية. بالنسبة لعام 2000خصصت ميدا 1 ميزانية قدرها 945 مليون اورو هذا الدعم ترافقه قروض هامة من البنك الأوروبي للاستثمار BEI ابتداء من سنة 2000.، انطلق برنامج ميدا 2 الذي يخص المحور السياسي و الأمني من الشراكة حوالي 90ù من مواريد ميدا 1 يتم تحويلها نحو الشركاء ( الجزائر ،مصر ، الأردن،لبنان ،المغرب سوريا،تونس،تركيا ، و السلطة الفلسطينية.)10ù الباقية مخصصة للنشاطات الجهوية فكل الشركاء بإمكانهم الاستفادة منها .
المبحث الثالث: انعكاسات الشراكة الاورومتوسطية على الجزائر.
1- الانعكاسات الايجابية: ضمن المكاسب و المزايا التي قد تنجم عن هذه الاتفاقيات،خلق قدرة إنتاجية اكبر و تطوير الاستثمار بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر،لاسيما تعزيز حوافزه،و سيكون لاتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تأثير مالي قوي نتيجة لإلغاء رسوم الواردات و ستؤذي في البداية إلى انخفاض المدخرات و زيادة الاستثمار و هذا يؤدي إلى الانفتاح و التعجيل بنمو الإنتاجية و حجم التجارة ، و الدخل القومي و في الوقت نفسه سيساعد الاندماج على تثبيت الجزائر في طريق التجارة المفتوحة. فالشراكة ستؤدي إلى تحرير الاقتصاد الجزائري و جلب رؤوس الأموال الأجنبية.
فاتفاقية الشراكة هذه تعني بنود برنامج عريض عن التحديث و الاصلاحات الهيكلية لدى تطمح الجزائر إلى إبرام اتفاقية الشراكة هذه بما يعود عليها من منافع و يأتي بانتهاج انضباط اكبر في سياسات الاقتصاد الكلي و كذا السياسات النقدية الحكومية الرامية الى خفض التضخم الى المستويات الأوروبية بالإضافة الى سياسة ملائمة لسعر لصرف تهدف الى الاستقرار المالي و اجتذاب تدفقات رأس المال الخاص و يجب إتباع سياسة حكيمة بشأن الدخل حتى تبقى التكاليف تحت السيطرة و تزيد من القدرة التنافسية للجزائر و يجب أن تقترن زيادة الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال تحرير التجارة الخارجية بزيادة الاندماج في الأسواق المالية و قابلية التحويل الكامل للدينار و خوصصة المؤسسات العامة و الاعتماد على التمويل عن طريق الأسهم و الاستمرار في تحرير الاستثمار الاجنبي فهذه الشراكة تعتبر استراتيجية يتم بواسطتها تخطي الصعوبات التي تعيشها المؤسسات الجزائرية و كذلك قناة اساسة لتمويل الاقتصاد الجزائري عن طريق ترقية و تثمين الاستثمار الوطني و هذا يمكن أن يساعد في بناء التوازن و ذلك من ناحية اقتسام رأس المال و الأخطار و كذلك الأعباء.
2- الانعكاسات السلبية: لا يمكن للجزائر أن تندمج اليوم في منطقة التبادل الحر بدون دفع ثمن تأخرها الاقتصادي و قد لا تجلب هذه المنطقة للتبادل الحر أرباحا صافية للجزائر التي لم تتمكن بعد من ضمان اكتفائها الذاتي الغذائي . و استقرار ميزانها التجاري أو تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات يضاف الى ذلك إغفال الطرف الأوروبي عن مسألتي المديونية الجزائرية وحرية انتقال الأشخاص من جدول المفاوضات و إذا كان لهذه الانشغالات جانب من الصحة فان جزء كبير من مسؤولية ذلك تتحمله بلدان الجنوب و منها سبب التأخر الذي يطبع نشاطها الاقتصادي و لعل أهم نقطة تجدر الإشارة إليها في إشكالية نوعية المنتوج الجزائري و اقتصار البها على المقاييس الدولية المعتمدة الأمر الذي يجعل أي محاولة لمجابهة أو منافسة المنتوج الاجنبي في السوقين الوطنية أو الخارجية أمرا يكاد أن يكون مستحيلا، هذه السلبيات ناتجة عن عدة عراقيل منها :
1- العراقيل القانونية و السياسية و الثقافية:إن عدم استقرار الإطار القانوني للمنظومة التشريعية وكذا البيروقراطية السائدة في الجزائر لا تشجع على استخدام الشركاء الأجانب للاستثمار في البلاد ، ضف الى ذلك العراقيل الخاصة بالنظام الإعلاني حيث أن الشريك الاجنبي متعود على الحصول على كل المعلومات التي تهمه بسرعة و باستمرار غير أنه قد لا يجد هذه التسهيلات في الجزائر بحيث حتى و إن توفرت المعلومات غالبا ما تكون مشكوكا في صحتها بالإضافة الى ذلك لم تهتم الجزائر بحماية سمعتها في العالم .
و من بين أهم العراقيل نجد كذلك المناخ السياسي الذي تعيشه الجزائر إذ يعد الاستقرار السياسي عنصرا مهما فهو عامل الى جانب طاقة السوق المحلية في تمرير موقع و قرارات الاستثمارات .
2- العراقيل الاقتصادية و المالية: حيث يعد فقدان المستثمرين الأجانب ثقتهم في الجزائر من اكبر العوائق و بالتالي فهو يمثل إشكالية حقيقية للشراكة المعنية في الجزائر و يعود ذلك تاريخيا للتاميمات التي اتخذتها الجزائر بعد الاستقلال بدون تعويض للشركات الأجنبية كما أن القيود التي كانت قد وضعتها الجزائر لتحويل أرباح المؤسسات ،كانت و لا تزال تلعب دورا سلبيا على قرارهم في الاشتراك مع الجزائر .
3- العراقيل في المجال الاجتماعي:دفع وعي الجزائر و الاتحاد الأوروبي بالرهان الذي تمثله العلاقات الاجتماعية بينهما الى حل مشاكل عديدة في هاذين الميدانين فنتيجة الانفجار السكاني الذي عرفته بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط ظهرت عدة تخوفات بسبب المشاكل المنجرة عن كل هذا كالبطالة مثلا ، هذا التناقض الديموغرافي سبب في وقت لاحق ظاهرة الهجرة نحو البلدان الأوروبية و أما هذا المعطى كان على هذه الأخيرة أن تتخذ إجراءات صارمة و وضع سياسة محددة